تاريخ مدينة الشّابة

تاريخ_مدينة_الشّابة : رأس قبودية
هي مدينة ساحلية تقع على بعد حوالي 35 كلم جنوب المهدية و هي الحد الجنوبي لمنطقة الساحل. توجد الشابة في مستوى رأس قبودية و هو الاسم اللاتيني للمنطقة، و كانت شاهدة على كل الحقب التاريخية التي تعاقبت على البلاد التونسية من بونيقية إلى رومانية و بيزنطية وصولا إلى الحقبة العربية، أضف إلى ذلك أن الشابة هي مسقط رأس أحمد بن مخلوف الهذلي الشابي أحد أهم رواد التصوف و الجد المؤسس للحركة الشابية التي رامت تأسيس دولة انطلاقا من القيروان في أواسط القرن 16 ثم أصبحت بعد العجز عن تحقيق مشروعها عنوانا بارزا للحركات الاجتماعية و الدينية بوسط الإيالة التونسية و جنوبها و شرق الجزائر خلال العصر الحديث.
و مر تكون هذه المدينة بعدة مراحل، فبدأت بمرفأ صغير برأس قبودية أنشأ تقريبا قبل الميلاد بنصف قرن، كان مركزا لمراقبة مرور سمك التن و صيده Thynoscoprium و معد أيضا لإيواء السفن زمن العواصف و مواسم الصيد. و حسب ما ذكره سترابون أنه حول هذا المرفأ مباني سكنية و ورشات لصنع السفن و إصلاحها و أن سكان هذه المنطقة يستغلون حركة المد و الجزر لصيد السمك الوفير . و في الفترة الرومانية ازدهر المرفأ الاستراتيجي و أصبح نواة لمدينة رومانية اطلقوا عليها اسم Caput Vada و تعني رأس القصير أي الرأس الذي يبدأ منه البحر القصير الذي يمتد حتى جزيرة قرقنة. ازدهرت المدينة و نشط اقتصادها لفترة طويلة ، و لكن بحلول الوندال تعرضت Caput Vada إلى التخريب و تراجع نشاطها التجاري و البحري . و لم تستعد المدينة مكانتها إلا في الفترة البيزنطية ، فقد أرسل الإمبراطور البيزنطي جستينيان قائده العسكري بيليزار على رأس أسطول ضخم لاسترجاع شمال إفريقيا من يد الوندال، فرسا هذا الأسطول سنة 533 م برأس قبودية حيث قام بيليزار ببناء قلعة عسكرية محصنة على مشارف البحر و رمم المدينة الرومانية القديمة و أطلق عليها اسم جوستينيانوبوليس أي مدينة جستينيان تخليدا لهذا الحدث الهام. و لكنها لم تتمكن من استعادة مكانتها السابقة و بريقها في الفترة الرومانية ، و تواصل تهميش هذه المنطقة في الفترة الإسلامية و التي أطلقت عليها المصادر العربية اسم رأس قبودية أو قصر قبودية أو بلد قبودية . فقدت منطقة رأس قبودية في العصر الوسيط مكانتها كبقية المواني و المراسي الساحلية الأخرى بعد أن هجرها السكان و ذلك لعدة عوامل منها اتقاء لغزوات القراصنة و المسيحيين الذين كانوا يتربصون بافريقية و تجمعوا في تجمعات سكنية بعيدة عن الشواطئ و في مناطق داخلية أكثر أمنا حول مؤسسة الزاوية التي أصبحت مركزا للعبادة و المرابطة و توفير الأمن و الغذاء و التعليم و هي الأدوار التي لم تستطع السلطة الحفصية خاصة توفيرها للسكان، و بدأت تتكون المداشر و القرى الصغيرة حول الزوايا التي أصبحت بمثابة الملاجئ التي عوضت دور السلطة العاجزة . و في تلك الفترة أي القرن 15م حل بالمنطقة الولي الصوفي سيدي نعمون الأندلسي الأصل و جمع حوله شتات السكان النازحين و الفارين من المنطقة الساحلية و كذلك مجموعات من قبيلة هذيل العربية التي كان لها اقطاعات بالمنطقة منذ الفترة الزيرية و من هذه العائلات الهذلية خرج الشيخ أحمد بن مخلوف الهذلي الشابي، و كون سيدي نعمون تجمعا سكنيا في منطقة تبعد عن شاطئ البحر حوالي 4 كلم من الجهة الغربية ليكونوا على أهبة الاستعداد لصد الخطر القادم من البحر . و حسب الرواية الشفوية فقد أسس الولي الصالح سيدي نعمون الأندلسي زاوية التي تعتبر المركز الرئيسي للبلدة الجديدة و بنى مصلى و استقر حولها السكان و هو من أطلق على هذا التجمع اسم الشابة. و بداية من تلك الفترة انطلقت عملية التعمير فأحدثت المرافق الأساسية كالمسجد و المقبرة و السوق و الحمام و معاصر الزيتون و تكونت الأزقة و الدروب التي تفرعت عن البطحاء الرئيسية المقابلة لمقام سيدي نعمون. هذا إضافة إلى استقرار العديد من الوافدين الذين حطوا رحالهم على مشارف البلدة و خاصة من المثاليث. و أخذت البلدة تتوسع شيئا فشيئا و بدأت تأخذ طابعا حضريا بشكل تدريجي. و يتكون النسيج الاجتماعي للشابة من ثلاث مجموعات تنتظم على شكل ” حوم ”
_ حومة البحارة : و هي الحومة الشرقية المتكونة من البراجة و الشرفة
_ حومة وسط البلد : تكونت حول الولي سيدي نعمون منذ الفترة الحفصية و نذكر منها عائلة سلامة و هي مكلفة اليوم بالاعتناء بزاوية سيدي بن عيسى
_ حومة المثاليث : و تعرف أيضا بحي الوهّاب نسبة إلى سيدي عبد الوهاب و المعلوم أن المثاليث استقروا بمنطقة الشابة عن طريق المغارسة و يقع تجمعهم اليوم في جنوب المدينة بالقرب من الطريق المؤدية إلى صفاقس
و هذا التطور العمراني حتم وجود مسجد جامع جديد لأن الجامع القديم لم يعد قادرا على استيعاب العدد المتزايد للمصلين فقام الشيخ العالم علي النوري الصفاقسي ( ت 1706 ) بتمويل بناء الجامع الجديد الذي سمي باسمه على أنقاض المسجد الأول القديم للبلدة .
و من أهم معالم الأثرية و التاريخية بالشابة و أكثرها شهرة هو برج خديجة و هو برج مراقبة أغلبي أنشأ على أنقاض القلعة البيزنطية القديمة و قد نسب هذا البرج إلى الشاعرة خدوج الرّصفية التي عاشت في القرن 10 م ( نسبة للرّصفة و هي التسمية القديمة للمنطقة الواقعة في المثلث الشابة – جبنيانة – الحنشة خلال العهد الزيري ) ، و لكن بالعودة إلى تاريخ أول ظهور لاسم برج خديجة و الذي كان في نهاية القرن 18 أو بداية القرن 19 نستبعد ارتباط هذا البرج بالشاعرة خدوج الرصفية و أما الرواية التي نتبناها و نرى أنها الأقرب للواقع هي تلك التي أوردها Signé Jamy رئيس قسم الإرشادات في تقريره حول الشابة في مارس 1884 و الذي جاء فيه أن المدعوة خديجة هي امرأة من السكان المحليين عاشت في نهاية القرن 18 و نسب إليها البرج بحكم إقامتها فيه صحبة أبنائها ( الذين سيكونون عرش البراجة ) للإشراف عليه و حمايته و السهر على ترميمه و إصلاحه و الإشراف أيضا على شؤون البحارة و القراصنة إذ تذكر بعض الوثائق أنها ” أم القراصنة ” و ذلك لإشرافها على نشاط سفن القراصنة التي ترسي بمنطقة البرج للاحتماء من العواصف أو للتزود .
و بالنسبة إلى سكان الشابة فأول من استوطن المنطقة هي بعض القبائل العربية أهمها هذيل التي كانت لها اقطاعات منذ الفترة الزيرية و انصهرت مع السكان الأصليين و مع قدوم الشيخ نعمون في القرن 15م و تكون نواة البلدة الجديدة في موقعها الحالي تطور النسيج السكاني و توحد حول مقام سيدي نعمون و يتكون هذا النسيج من :
1 ) ” البلدية ” : و هم الفريق الأول و الأصلي المكون لهذا النسيج و هم المجاورون لمقام سيدي نعمون و من هذه العائلات نذكر التباب _ الهيلي _ النزيم _ الصغير _ القصار _ بو عبد الله
و في وثيقة محررة في بداية القرن 20 دونت فيها أسماء الفرق التي تكون النسيج السكاني بالشابة في تلك الفترة وجدنا أن فريق البلدية يتكون من أولاد بو عبد الله
_ الفريق الأول : الصغير _ الشيخ عمر _ فرج شعبان _ رجب بن رمضان _ خصومة _
_ الفريق الثاني : التباب _ الهيلي _ الحلو _ ميتورة _ النزيم
_ الفريق الثالث : بريول _ عبد الواحد _ عبد الحفيظ _ القصار _ بالصالحة _ الموناني _ بن خليفة ( فروجة ) _ الفرجاني _ صراط _ صالح المبروك _ بن بلقاسم ( بن مريم )
2 ) ” البراجة ” و هم من ذرية خديجة ، نسبة إلى البرج و يتفرع البراجة إلى أربعة فروع و هم أولاد بلقاسم البرجي و أولاد مبروك البرجي و أولاد حميدة البرجي و أولاد رحومة البرجي . و منهم عائلات حميدة _ مبروك _ ميلاد _ جابر _ إبراهيم _ عياد _ كيتار _ صياد _ غرس الله _ الكفاف
و نشير إلى أن البراجة استوطنوا منطقة برج خديجة و ضواحيها في شكل تجمعات سكنية بحرية و مازالت آثار مقبرتهم موجودة إلى اليوم قرب مقام سيدي مسعود و لكن غادر أغلب البراجة هذه المنطقة و التحقوا بالبلدة الجديدة قرب سيدي نعمون و بنوا منازلهم و كونوا حيا خاصا بهم عل مشارف البلدة من الجهة الشرقية و أما ما ورد في الوثيقة المذكورة أعلاه نذكر :
أ _ أولاد مبروك : الفرق الأول ( الفقيه فرج _ العريض _ زرود _ المورالي ) الفريق الثاني ( كيتار _ شعيب _ المقطوف _ بن رجب ) الفريق الثالث ( النعيري _ الطويل _ البرجي _ علي مبروك _ الشمك _ الڨباجي )
ب _ أولاد ميلاد : الفريق الأول ( غزيل _ الحاج محجوب _ جحدور _ عثمان ) الفريق الثاني ( الصويعي _ صياد ) الفريق الثالث ( حسين عياد _ شوشان _ حديوش _ الكفاف ( رحيم )) الفريق الرابع ( زعبر _ زعمين _ الجلالي _ فرج ( محمود ))
ج _ أولاد حميدة : الفريق الأول ( الحاج محمد _ حميدة _ خليفة _ الحاج رجب _ الطيب ) الفريق الثاني ( بنور _ الأحمر _ الأزرق _ غرس الله ) الفريق الثالث ( بن إبراهيم _ بوهجة ) الفريق الرابع ( جابر _ الحاج سالم بن حسين بادة _ الحاج ساسي بن حسين _ عاشور بن حسين _ المشتي ( بوشريطة ) _ القابسي _ عاشور ( الحومة الشرقية ))
3 ) المثاليث : يتجمعون في جنوب المدينة بالقرب من الطريق المؤدية إلى صفاقس بمنطقة سيدي عبد الوهاب و من هذه العائلات نذكر: سيدهم _ بن منصور _ النصري _ حديوش _ المرغلي و غيرها و جاء في الوثيقة المذكورة أعلاه تفصيلا في فريق المثاليث و هو كالتالي
_ الفريق الأول ( بن منصور _ الحاج أحمد _ الفقيه عبد الله _ الحاج عمر )
_ الفريق الثاني ( مطر _ النجار _ الفقيه مبروك _ بن حسن _ سيدهم )
_ الفريق الثالث ( علي _ الغضباني _ تسكر ( بن عمر ) _ الحاج محمد _ عبد القادر _ بن سالم ( الداب ))
_ الفريق الرابع ( الصادق _ الدياق )
_ الفريق الخامس ( المنصر _ امبارك )
_ الفريق السادس ( الهذيلي ( الحومة الشرقية ))
_ الفريق السابع ( الحمزي _ عياد امبارك )
_ الفريق الثامن ( التليلي _ المرغلي )
_ الفريق التاسع ( بن حسن _ حسونة _ العجرود _ الحلواس _ البلبال(عڨيب))
_ الفريق العاشر ( أولاد أحمد )
_ الفريق الحادي عشر ( الزواوي _ عبد الله بلقاسم _ النصري ( المعوّج ) _ الحاج عمر _ بن حسن _ الحاج نصر )
_ الفريق الثاني عشر ( بن سالم )
_ الفريق الثالث عشر ( بلقاسم _ محمد ( صرمان ) _ الڨباجية _ شيبة )
_ الفريق الرابع عشر ( بن مسعود )
_ الفريق الخامس عشر ( فرحات _ السبوعي )
_ فرق أخرى : بلعائبة _ الجريبي _ مرزوق _ بنور ( الحومة الشرقية ) _ الغرايري _ السوسي ( الحشفي )
4 ) الفرق و العائلات الوافدة من عدة أماكن من البلاد و خارجها : و ذلك حسب وثيقة محررة في بداية القرن 20 دونت فيها أسماء الفرق التي تكون النسيج السكاني بالشابة في تلك الفترة و تنص هذه الوثيقة على العائلات الوافدة و هي :
الهذيلي و غرس الله ( الوهاب ) _ فنيش و الحداد ( الجم ) _ الزاهي ( همامي ) _ الأشطر ( جبنيانة ) _ شوشان السافي ( قصور الساف ) _ سلامة الشريف ( أصيل المهدية ) _ المستيري ( المنستير ) _ شيحة _ الشريف و بطيخ _ حمزة ( صفاقس ) _ بك علي ( تركيا ) _ جعفر ( قصر هلال ) _ الفريقي ( منزل تميم ) _ الجربي ( درنة ليبيا ) _ الڨمري _ فرزة و بن عمار و الركاز و الشلي و قاسم ( قرقنة ) _ الفنطازي _ رجب بن فاطمة _ الحاج سعد المسراتي نزح من قرقنة و هو أصيل ليبيا _ فرح من قرقنة أصيل ليبيا _ بن عياد و نصر و فرح و بلقاسم و جربية و المكشر و عباس و أولاد علي ( المطوية ) _ الأحمر _ أمبية _ صوّة _ البعتي _ الحاج البحري _ الكلابي _ الحاج فرج _ فرج بالحاج ( الغربي ) _ وماني ( الجزائر )
بقلم #حاتم_الضاوي

تسجيل